تتكون الماركسية من مكونات أساسية مترابطة بين بعضها ارتباطاً عضوياً، هي المادية الجدلية، والمادية التاريخية، والاقتصاد السياسي، والشيوعية العلمية. وقد فسرت الماركسية التاريخ الإنساني على أسس اقتصادية، مستمدة من المادية الجدلية، فلا يرتبط تطور المجتمعفي مراحله المختلفة بصورة آلية عفوية، ولا بقوى غيبية تعلو على واقع البشر. والانتقال من تشكيلة اجتماعية اقتصادية إلى أخرى يأتي نتيجة حتمية للصراع الطبقي في المجتمعالواحد، ونتيجة لمجموعة واسعة من العوامل الداخلية والخارجية المتنوعة، المرتبطة بوعي الناس ومستويات إدراكهم للقوانين الناظمة لحياتهم، ولمجمل الظروف الخارجية المحيطة بهم في علاقاتهم مع الآخرين . [1]
دخلت الماركسية حيز التطبيق منذ الثورة البلشفية التي انهارت على اثرها روسيا القيصرية و تم بعث ما عرف بالإتحاد السوفياتي بزعامة " فلاديمير لينين " الذي ترك بصمة في النظرية الشيوعية و أسس لمذهب سياسي يحتوي قراءته الخاصة لماركس أو ما يعرف بالماركسية_اللينينية .
نتبين أن الفلسفة الثورية قد اتجهت بالتحديد إلى مخاطبة الطبقات المسحوقة واتخذت نفسا ثوريا. ليست كل فلسفة يمكن أن تكون ثورية وإنما حسب بول نيزان المادية الجدلية وحدها التي يمكن أن تكون ثورية ولأن من أنتجوها كانوا ملتزمين بقضايا المغضوب عليهم في التاريخ ونقصد ما يسمى في المعجم السوسيولوجي الكلاسيكي: الرعاع، العامة، الدهماء، السواد الأعظم أو ما يُسمى في المعجم الماركسي: البروليتاريا . [2]
أمست القسوة عنوانا للحكم الماركسي , فمارس حكامهم بروح تقنية عالية , لاهوت إذلال الكائن البشري , اعتقالا و تعذيبا و غسلا للدماغ , و قتلا و ابادة جماعية على نحو تبدو معه تقاليد القرون الوسطى في هذا المجال بدائية و ساذجة . [3]
و السؤال الذي يطرح نفسه هنا : لماذا كل هذه القسوة ؟
للإجابة عن هذا السؤال , دعنا نبحث عن فاعلية الفلاسفة في التغيير العملي و نصرة الإنسانية المعذبة . حسب الفارابي يوجد ما يسمى ب"الفيلسوف البهرج " أي فيلسوف البرج العادجي , أو وفق ما يحلو لبول نيزان * تسميتهم بكلاب الحراسة أو بعبارة سارتر المثقف المزيف . يدحض بول نيزان مقولة وجود فلسفة في المطلق ويرى، على العكس أنه يوجد صنفان من الفلسفة:
أ- فلسفة تقدمية تعمل على تغيير العالم، أي القيام بالثورة والإطاحة بالبرجوازية، مالكة وسائل الإنتاج والسلطة.
ب- فلسفة رجعية بامتياز تكدح على مستوى النظرية للحفاظ على نظام الأشياء القائم (القيم الأخلاقية، الزواج، الدولة، توزيع الثروة والملكية...)
ووفقا لهذه المقاربة لا يمكن أن نبحث عن تعريف واحد، عن وظيفة واحدة وعن دور واحد للفلسفة أو الفلاسفة، إذ كما يقول غرامشي في "دفاتر السجن": « لا وجود لفلسفة في المطلق ». [4]
لكن ان أردنا تفعيل هذه المقولة على الماركسية لوجدنا أنها نظرية طوباوية , و وظيفة المثقفين و الأنبياء على حد السواء هي انتاج اليوطوبيا , و لكن هذه اليوطوبيا يجب أن تبقى يوطوبيا , و الخطيئة الأصلية و المميتة لليوطوبيا الماركسية أنها أردات نفسها من الأساس واقعا , بل ميزت نفسها عن كل يوطوبيا أخرى بافتراضها نفسها واقعية و علمية , و دمغت بازدراء سائر اليوطوبيات المتقدمة عليها بأن قدرها أن تبقى طوباوية . و الحال أن اليوطوبيا سواء كانت جمهورية أفلاطون أو مدينة الفارابي الفاضلة ماكانت لتكون في الممارسة أقل قسوة و عنفا من اليوطوبيا الماركسية لو قيض لها أن تشق طريقها الى حيز التطبيق العملي . لذلك فإن الشر الذي يتمخض عن تطبيقها بصورة حتمية هو أشر من أي شر يراد حذفه من الوجود .
فليس أجمل و ليس أكثر مثالية من اليوطوبيا مادامت يوطوبيا , لكن هذا الكائن الخيالي النبيل سيتكشف , في حال خروجه من معمل الخيال الى مختبر الحياة و الواقع , أنه صنو لمخلوق فرنكشتاين .
لا يملك أحد أن يماري أن النظام الرأسمالي قد عرف و مازال يعرف أزمات دورية و غير دورية . لكن ما وقفت الماركسية عاجزة عن فهمه هو أن الأزمة آلية أساسية من آليات اشتغال النظام الرأسمالي , و أنها له بمثابة العتلة أو المقفز الذي يفيده في التراجع خطوتين الى الوراء للقفز ثلاثا الى الأمام . و ليس هذا مديحا للنظام الرأسمالي بقدر ما هو تحذير من النبوءات الكاذبة التي لازالت تظل سوقها رائجة حتى ما بعد سقوط الماركسية . [5]
و فيما يلي الحصيلة التقريبية لضحايا التطبيق العملي المتهافت للشيوعية و تاريخها الدموي :
20 مليون في الاتحاد السوفيتي المنهار
65 مليون في الصين
مليون في فيتنام
مليونان في كرويا الشمالية
مليونان في كومبوديا
مليون في الدول الشيوعية في شرق اوروبا
150 الف في امريكا اللاتينية
1.7 مليون في افريقيا
1.5 مليون في افغانستان
10 الاف بسبب الحركة الشيوعية الدولية والاحزاب الشيوعية التي لم تصل الى السلطة. [6]
المراجع :
1 _ الموسوعة العربية . دار الفكر , دمشق _ سوريا .
2 _ ما الفلسفة ؟ , سليم دولة , دار نقوش عربية , تونس .
3 _ هرطقات 1 جورج طرابيشي . دار الساقي , بيروت .
4 _ ما الفلسفة ؟ , سليم دولة , دار نقوش عربية , تونس .
5 _ هرطقات 1 جورج طرابيشي . دار الساقي , بيروت .
6 _ الكتاب الأسود للشيوعية , مجموعة من المؤلفين .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire