قصة قصيرة _ حكاية خجول
كان الأستاذ بهاء يوقف سيارته أمام قصرهم الفخم عندما لمح فتاة جميلة الوجه فارعة القامة لم تنقص أسمالها البالية من ملاحتها. إنها جارتهم الجديدة التي سكنت و عائلتها البيت الحقير المجاور لقصر عائلته .
اختطف منها نظرة سريعة فتنته و جعلته يسترجع ماض فاشل على مستوى علاقته بالجنس الآخر , فشل يعقبه فشل , كان في كل مرة يرتشف فيها من كأس الحب مع إحدى الفتيات يأتي ما يعكر صفو سعادته . هو نفسه لم يدرك السبب . كلهن هجرنه و ذهبن يطرقن أبواب قلوب أخرى . ربما لأنهن بنات جامعات غنيات , فبالتالي هن ملولات و يبحثن دائما عن المغامرة و استبدال العشاق كما يستبدلن نعالهن .
ألقت له الفتاة بابتسامة خفيفة عندما لاحظت ارتباكه حينما شاهدها , ابتسامة لم يفهم ماذا تقصد بها ؟ ترى هل هي تدعوه إلى التعارف ؟ أم أنه أنها ابتسامة استهزاء من خجله و سخرية من ارتباكه و حياءه المفرط ؟ فخجله و حيائه ليسا أمرا عاديا في زمن نزعت فيه العذارى خمار الحياء و استبدلته بجرأة و اندفاع لا حدود له . كانت هذه الخواطر تدور في ذهنه حتى نسي نفسه ... ثم استدرك قائلا : الواضح أنها ابنة عائلة و ليست كغيرها من الفتيات اللاتي أعرفهن .
طأطئ رأسه من الخجل و دخل بيته . طلب من أمه أن تضع له طعامه . لم تكد ملامح الفتاة تغيب عن مخيلته , لقد ملكت في لحظة قلبه و عقله و أفقدته شهيته في الطعام . أخذ يلعب بالملعقة قليلا ثم نهض و لم يذق شيئا .
ذهب إلى غرفته ثم استلقى على فراشه و أخذته أحلام اليقظة إلى عوالم أخرى " لماذا لا أطارحها إعجابي ؟ أظن أنها لن ترفض شاب غني مثلي في الثلاثين, أستاذ فرنسية محترم مقبول المظهر بل وسيم بشهادة الكثيرين من الجنسين. لا , لن ترفض . لكن تبا لهذا الخجل الذي يعتريني و الرعشة التي تملك على كامل بدني كلما نظرت في عيني بنت من بنات حواء ... "
أخذ بهاء يعد نفسه كل يوم بمخاطب الفتاة متى رآها ... لكن مرت أسابيع دون أن يتقدم خطوة واحدة , فكلما التقيت عيناهما ذاب خجلا و تقهقر منهزما أمام نظرة تقطر دلالا و إغراءا .
لم يكن المسكين يعلم ماذا يجري حوله , لقد نسي أن أخاه كازانوفا العائلة , وسيم إلى حد كبير , أنيق إلى أقصى الحدود , محترف في إغواء الفتيات و إمتلاك قلوبهن في لحظة , جميلات كن أو دميمات , غنيات أو فقيرات , مثقفات أو جاهلات , الأمر الذي كاد ينساه بهاء أو لم يخطر على باله .
نعم لقد حدث ما لم يكن في الحسبان , فالأخ الأصغر أعجبته الفتاة منذ اليوم الأول أيضا , و نزلت في قلبه منزلة لم تنزلها فتاة قبلها قط . فعشيقاته كثيرات , لكن هذه اختلفت عن الأخريات و استحالت نيته المشبعة بغريزة اسقاط البنات في الخطيئة المحرمة إلى نية صادقة في الحب و عازمة على ترك حياة المجون و وصل الرباط المقدس بينه و بينها .
و مساء يوم مشئوم , بينما كان يرتشف الشاي مع أمه في قاعة الجلوس, أراد بهاء ان يفاتحها في موضوع الفتاة علها تساعده في كسبها و تخطبها له و هكذا يكون قد فاز بها دون عناء منه و دون إرتكاب حماقات خجله , بينما كان يختار العبارات المناسبة في ذهنه , اذ دخل أخاه الأصغر ضياء مغتبطا و اتجه نحو أمه مخاطبا إياها : " أماه , آن الأوان لأن تخطب لي الفتاة التي أريدها "
قالت الأم في نبرة لا تخلو من الدعابة : " كبرت و تريد أن تتزوج يا شاطر ؟ و من هي سعيدة الحظ هذه ؟ "
أجاب ضياء : " إنها ابنة جارنا الجديد يا أم بهاء , جميلة رغم فقرها و عالية الأخلاق رغم خصاصتها , تعرفت عليها منذ اليوم الأول من إقامتهم حذونا , و قد قبلت أن أتقدم لخطبتها "
نزلت كلمات ضياء على أخيه بهاء نزول الصاعقة على الغصن الغض , فكسرت آماله , حطمت أحلامه و هشمت صرح السعادة الذي بناه في أسابيع . ثم أخذ يتمتم ساخطا : " كان يجب أن أكلمها منذ اليوم الأول , لقد عرفت منذ البداية أن أخي لن يفلت فرصة كهذه فهو أجرء مني و له سحر خاص في إغواء الفتيات , لعنة الله على الخجل و على بنات حواء ... بنات الأفاعي و الحيات . "
ياسين