طالما تميز العرب منذ العصر الجاهلي بالفصاحة و القدرة على الخطابة و الاقناع و التميز بالفطنة و الدهاء أمام كل قضية تحمل بين دفتيها سيئ الأمور و جيدها إلا أن كلامهم لا يخلو من غوغاء و طبيعتهم الصحراوية الصلبة تلبس ثوب الحماسة و الشدة المفرطة . ناهيك عن البكاء على أطلال و أنقاض الماضي الغابر و التغني بأمجاد القبيلة . كذلك فلن نغفل عن الهجاء الذي يستعمله شعراء العرب لقذف و سب و شتم خصومهم .
و ها نحن اليوم نرى العرب المعاصرين لم يحتفظوا إلا بوظيفة الهجاء و السب و الشتم . و حديثنا هو عن الظواهر الفايسبوكية , باعتبار ان الفايسبوك أصبح مجتمعا افتراضيا لا يخلو من ظواهر سيكولوجية و سوسيوليجية تحتاج الى درس و تحليل.
ففي كل يوم نلمح شبانا ينددون بسقوط بعض الأنظمة أو ادعاء التدين فجأة بالتكفير و التهديد و السب و الشتم لكل من عارض معتقداتهم او نقدها و سرعان ما تتطور وسائلهم لتبلغ انشاء صفحات معارضة تدعو الى قرصنة حسابات الكثير من المفكرين و النقاد و كأنهم في العهد الجاهلي لا يعرفون خلاصا الا بالقوة و العنف
فأين هم من الفكر و الثقافة و التحضر؟
الجدير بالقول ان العرب أبطال في تهويل الأمور ... فجأة تغمرهم الوطنية المبالغ فيها و القومية و الولاء للإسلام و لفلسطين و تنتابهم هستيريا دينية و يبدؤون في استعراض عضلاتهم و ابداء ارائهم التي تخلو من المنطق و تعليقاتهم المجردة من العقلانية و الاتزان و المعرفة
انه مخاض الحماسة المتأصل فيهم و التي تجعلهم يعربدون بسذاجة تنم عن سطحية تفكير و تهور مدقع
و قد جعلهم الفايسبوك ابطالا يقومون ببعض الشطحات التي تدعو الى السخرية رغم انهم يلبسون ثوب الوطنية و التدين او القومية و النضال .
كلنا سمعنا عن الصراع و عن الحروب الافتراضية التي أبطالها شعب افتراضي من أجل قضايا شبه وهمية . كلنا سمعنا عن الصراع بين دعاة الأمازيغية و دعاة العروبة في تونس , بين دعاة المسيحية و دعاة الإسلام , و الأغرب من ذلك هو التهجم على الأقلية اليهودية في تونس . كلنا شاهدنا صفحات على شاكلة : تونس أمازيغية , المسيح في تونس , تونس صوت الإسلام و العروبة , المبيدات الحشرية الفايسبوكية , الصفحات المشبوهة و حملات التعميل و التخوين و الصهينة ... و مرة يقوم أحد الملاحدة السذج بإنشاء صفحة الله , عوض تجاهله و
تهميشه تنطلق قنابل السب و الشتم في كل مكان و حروب الجهاد على اهل الكفر و الزندقة اذ لا وسيلة لهم الا السردكة الإفتراضية .
و آخر نوادر الفايسبوك انطلاق حملات التهجم على المغني البائس " محسن الشريف " الذي هتف بحياة المجرم " بنيامين نتياهو " .
المثير للشفقة انهم و ازاء مكتبة ضخمة من الاعمال الفكرية التي تدعو جميعها الى احترام الآخر باختلافه و التعايش السلمي للأضداد على حد قول هيجل
انها باختصار الصيرورة الحيوانية التي تحدث عنها دولوز
لا بد اليوم من الاقرار ان وضع العرب اكثر من متدنٍّ..وانهم قطعوا صلتهم بماضيهم و تراثهم ليصبحوا مجرد فقاقيع تثور ثائرتهم لأتفه الأشياء و أبسطها و هذا لا يدل سوى عن تهور و عجلة ناتجة عن فراغ ثقافي هائل
فرغم الشعر و الفصاحة تغلبت الغوغاء
بقلم نادية و ياسين